عند الظهيرة خرج من منزله ليلعب مع أقرانه في الشارع وربما ينتظر قدوم أخته من مدرستها فقد قرب موعد وصولها.
الجو لطيف اليوم فلا أمطار تهطل . قال في نفسه
ثم نادى أترابه تراكضوا خلف بعضهم ..... تجمعوا يرسمون بيتا وعصفورا على التراب يحلمون بزهرة تنبت بجانب البيت.
لكن دوي الرعد " أو هذا ما ظنوه " قطع عليهم لعبهم تحول الدوي إلى زئير مزعج ثم ...
دقائق مضت حتى انقشع الغبار الناتج عن انفجار الصاروخ ركضت أمه إليه تحتضنه وتبكي ... تصرخ: قتلوك يا ولدي قتلوك ولاد الكلبة ...
-لا يا أمي أنا ما متت هون أنا فوقك...
كان ينظر من الأعلى إلى أمه وجسده الصغير بين ذراعيها .
ركضت به تنادي من ينقذه , رغم علمها أنه مات إلا أن عاطفة الأمومة رفضت إلا أن تركض به إلى الطبيب.
-فتح عيونك يمي .. رد عليي ليش ساكت.
أمسكها الجيران وعادوا بها إلى المنزل عاد أبوه مسرعا ... لما رآه على هذه الحالة قبله من وجنتيه المدميتين حضنه إلى صدره وأبت دمعة إلا أن تنزل من عينه.
-هاتوا شي نكفن الشهيد . صرخ أبوه
بحثوا عن قطعة قماش طاهرة تليق به, لم يجدوا إلا كوفية حمراء كانت معلقة , لفوه بها وبقى وجهه الطفل ظاهرا . وضعوه في علبة من الكرتون لتكون كنعش له .
فقد فقدت النعوش هذا اليوم فالشهداء كثر
-يا بابا ما قلتلي الشهيد ما يغسلوه يا بابا دموعك غسلتني ,مش بتحبني يا بابا ما تبكي عليي
ما بحب أشوفك تبكي يا بابا.
ضمه أبوه مرة أخرى إلى صدره وهمس في أذنه:
-وحق روحك الطاهرة يا بني لآخذ بتارك . يا ابني دمك هاذ بدو ينور ليلنا .
خطفوه من بين يدي والده وواروه الثرى ... ركع على ركبتيه وانحنى فوق القبر ينادي طفله وهم يذرفون التراب فوقه .
-الله معك يا بنيي الله معك يا حبيبي ... الله معك
يمكن يا ابني بدنا ضرب قوي على وجهنا لنفيق يمكن بدنا هزة بكل جسمنا لنصحى
وصار الوقت نصحى يا بلد
صار الوقت نصحى يا شعب
صار الوقت نصحى يا إنسانية.
...................
من بين الصور الكثيرة للشهداء اليوم لم تعلق بذاكرتي إلا صورة هذا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره .
وتخيلت أنه استشهد هكذا ,فلا أظنه كان يحمل الكاتيوشا عندما استشهد , ولا أظن بأنه كان يلقم الهاون
إنما أظن أنه كان يلعب بقرب منزله
رحمة الله على شهداء غزة.... لا بل رحمة الله على ضمائرنا فالشهداء مغفور لهم
أما نحن فلا غفران لنا.
إلى كل من لم تتحرك مشاعره اليوم... إلى كل من لم يذرف دمعة اليوم ... إلى كل حاكم أو أمير أو ملك ... لا تناموا فصورة هذا الطفل ستهاجمكم كلما حاولتم إغماض أعينكم.
لن يغفرَ اللهُ أفعالَ من مسَّ الطفولةَ بأدناس المصالح... كائناً من كانَ!!!
ردحذفتحيّتي.
مجرمون أمام محاكم التاريخ التي لا ترحم.. سيمثلون
ردحذفصديقي سيمون:
ردحذفهل سيغفر الله لنا صمتنا نحن؟؟
ياسين :
آه من محاكم التاريخ فلم تعد تتسع الى كل هؤلاء المجرمين
نعم يا صديقي لأنّه لا يُمكنه إلا أن يغفرَ... لكنّه سيجازي بعدلٍ كلَّ أثيمٍ من إسرائيل ومن حماس ارتكب بحقّ الطّفولة والإنسانيّة ما تراهُ العيون.
ردحذفمودّتي.