السبت، 27 ديسمبر 2008

طفل غزة

عند الظهيرة خرج من منزله ليلعب مع أقرانه في الشارع وربما ينتظر قدوم أخته من مدرستها فقد قرب موعد وصولها.

الجو لطيف اليوم فلا أمطار تهطل . قال في نفسه

ثم نادى أترابه تراكضوا خلف بعضهم ..... تجمعوا يرسمون بيتا وعصفورا على التراب يحلمون بزهرة تنبت بجانب البيت.

لكن دوي الرعد " أو هذا ما ظنوه " قطع عليهم لعبهم تحول الدوي إلى زئير مزعج ثم ...

دقائق مضت حتى انقشع الغبار الناتج عن انفجار الصاروخ ركضت أمه إليه تحتضنه وتبكي ... تصرخ: قتلوك يا ولدي قتلوك ولاد الكلبة ...

-لا يا أمي أنا ما متت هون أنا فوقك...

كان ينظر من الأعلى إلى أمه وجسده الصغير بين ذراعيها .

ركضت به تنادي من ينقذه , رغم علمها أنه مات إلا أن عاطفة الأمومة رفضت إلا أن تركض به إلى الطبيب.

-فتح عيونك يمي .. رد عليي ليش ساكت.

أمسكها الجيران وعادوا بها إلى المنزل عاد أبوه مسرعا ... لما رآه على هذه الحالة قبله من وجنتيه المدميتين حضنه إلى صدره وأبت دمعة إلا أن تنزل من عينه.

-هاتوا شي نكفن الشهيد . صرخ أبوه

بحثوا عن قطعة قماش طاهرة تليق به, لم يجدوا إلا كوفية حمراء كانت معلقة , لفوه بها وبقى وجهه الطفل ظاهرا . وضعوه في علبة من الكرتون لتكون كنعش له .

فقد فقدت النعوش هذا اليوم فالشهداء كثر

-يا بابا ما قلتلي الشهيد ما يغسلوه يا بابا دموعك غسلتني ,مش بتحبني يا بابا ما تبكي عليي

ما بحب أشوفك تبكي يا بابا.

ضمه أبوه مرة أخرى إلى صدره وهمس في أذنه:

-وحق روحك الطاهرة يا بني لآخذ بتارك . يا ابني دمك هاذ بدو ينور ليلنا .

خطفوه من بين يدي والده وواروه الثرى ... ركع على ركبتيه وانحنى فوق القبر ينادي طفله وهم يذرفون التراب فوقه .

-الله معك يا بنيي الله معك يا حبيبي ... الله معك

يمكن يا ابني بدنا ضرب قوي على وجهنا لنفيق يمكن بدنا هزة بكل جسمنا لنصحى

وصار الوقت نصحى يا بلد

صار الوقت نصحى يا شعب

صار الوقت نصحى يا إنسانية.

...................

من بين الصور الكثيرة للشهداء اليوم لم تعلق بذاكرتي إلا صورة هذا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره .

وتخيلت أنه استشهد هكذا ,فلا أظنه كان يحمل الكاتيوشا عندما استشهد , ولا أظن بأنه كان يلقم الهاون

إنما أظن أنه كان يلعب بقرب منزله

رحمة الله على شهداء غزة.... لا بل رحمة الله على ضمائرنا فالشهداء مغفور لهم

أما نحن فلا غفران لنا.

إلى كل من لم تتحرك مشاعره اليوم... إلى كل من لم يذرف دمعة اليوم ... إلى كل حاكم أو أمير أو ملك ... لا تناموا فصورة هذا الطفل ستهاجمكم كلما حاولتم إغماض أعينكم.


 


 


 

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

أبيات للشاعر سليمان العيسى

أنا من أولئك الناس الذين يكرهون الانتظار. يملون بسرعة . خاصة الانتظار عند الحلاق وعند الطبيب .

عند الحلاق تستمع لكثير من القصص ويصبح كل فرد عليما بالسياسة والاقتصاد وحتى بالطب" طبعا كعادة السوريين دائما"

لذلك كنت دائما ما احمل كتابا عند ذهابي إليه حتى لا يضيع الوقت هكذا .

أما عند الطبيب فلا تستطيع أن تتفوه بكلمة فالجميع غرباء على خلاف الحلاق.

والجميع صامت ترى اثر المرض على اغلبهم وتشعر بنعمة الصحة في ذلك الجو الكئيب.

اليوم ابتليت بالاثنتين:

اضطررت صباحا للدخول عند الحلاق دون كتابي والانتظار حوالي 45 دقيقة

واضطررت لأخذ إحدى بناتي إلى الطبيب دون موعد مسبق نحمد الله أنها مجرد أنفلونزا عابرة في هذا الطقس المتقلب والجو التعيس.

انتبهت لأول مرة وأنا عند طبيب الأطفال هذا إلى وجود لوحة مؤطرة على احد الجدران بجانب اللوحة التي تضم قسم الأطباء

كانت هذه اللوحة تحوي ورقة مكتوبة بخط اليد تستطيع أن تميز من ترتيبها أنها للشاعر سليمان العيسى

فالمقدمة التي يكتبها على أعلى يسار الصفحة والاسم تحتها

ثم الأبيات القليلة التي لا تتعدى الأربعة .

جذبتني هذه الأبيات فقد كانت مهداة إلى ثلاثة أطباء أشرفوا على شاعرنا حينما كان في المشفى.

فاستأذنت بنقلها لمعرفتي بأنها قد لا تنشر في مكان آخر ولأنها بخط الشاعر نفسه وهو شيء "أجده شخصيا " جميلا وفريدا .

أخيرا أثمر انتظاري عند الطبيب أمرا جيدا أحبه.

إلى العزيزة الدكتورة منى

وزملائها في مركز الباسل

أسجل هذه التحية تقديرا وعرفانا

سليمان العيسى


منى،دوناي،ايمن،يا نسيما

يرف عليك في لفح الهجير

أزورهم بمشفاهم حطاما

وأعود بهجة العود النضير

وتسألني منى بيتين ماذا

يضيف شذا البيان إلى العبير

فيا ريحانة الشعر المصفى

ستتعب أن تلم بها سطوري


صيف 2006

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

جولاننا

قد لا نكون في المقام الذي يحق لنا فيه التحدث عن الجولان فنحن كشباب لم نقدم للجولان شيئا سوى بعض كلمات نخطها بين الحين والآخر

لكنك ما إن تسأل أي سوريّ عن الجولان فانك تشعر بغصة في حلقه

ومرارة تلاحظها أكثر إن كان السؤال لأحد أولئك الذين تربوا فيه وعاشوا فيه ثم هجِّروا منه فأنصت له عندئذ يتكلم عن جمال الجولان وطيب أرضها ودفئ ترابها

أنصت للحنين الصارخ بين حروفه عندما يحدثك عن خبز التنور التي كانت أمه تصنعه

أنصت لرائحة التفاح عندما يحدثك عن مواسم التفاح عندما يحدثك عن شيطنته بالقفز بين الأشجار عن نزوله إلى وادي خالد أو وادي الموت كما يسميه البعض . عن مياه طبريا وأسماك طبريا

عن رحلاته بين فلسطين والشام عن زيارته للقدس .

حسنا دع عنك هذا كله وقف لحظات متابعا عروسا تزف من الأراضي المحررة إلى الجولان المحتل .

تابع جيدا بقلبك لتعرف الحزن الذي يعتصر قلوب السوريين جميعا في دمعة تلك العروس

قد يختلف السوريون على نقاط كثيرة ويتجادلون أكثر لكن عندما تذكر الجولان فالكل متفق على أنها فلذة من كبد السوريين

قطعة من أمهم سوريا جزء لن يتنازلوا عنه, أرض رواها من قبل شهدائهم وسيروونها هم إن اضطر الأمر لذلك.

رغم كل هذا فنحن كسوريين مقصرون بحقها إلا النذر اليسير منا.

هذا العام قامت الحكومة السورية بشراء موسم التفاح من الجولان وهو خبر مفرح فهذا أفضل من أن يتحكم بهم تجار إسرائيل وأرجو أن يمتد ذلك لكل المنتجات وكل المواسم فلهم حق كبير علينا ودين من الصعب إيفائه. فحفاظهم على هويتهم السورية وتحملهم الويلات من اجل ذلك لهو أمر ليس بالهين في ظل دولة مستعمِرة أقل ما يقال عنها أنها عنصرية لحد الجنون.

دعونا لا ننسى أيضا الأحرار المسجونين في سجون إسرائيل. ليس لهم ذنب إلا أنهم قالوا كلمتهم في وجه الغاصب المحتل

لهم منا السلام ولأرض الجولان أيضا عسى أن يكون هذا عامها الأخير بعيدة عنا.

الاثنين، 15 ديسمبر 2008

فلتتعلموا الدبلوماسية

أجمل ما سمعته من تعليقات على حادثة قذف بوش بحذاء الصحفي

كان تعليقا من والد احد الأصدقاء حيث كنا نشاهد الواقعة على التلفاز فصرخ " والله رفعت رأسنا بهالصباط " و" الصباط هو الحذاء بلغتنا المحكية "

في البداية كان التعليق مضحكا ومازال لكنه تحول من نكتة مضحكة الى شرُّ البلية المضحك.

فأن يصل قهرنا كشعوب وجرّاء صمت حكامنا المذل على أفعال ذلك الهمجي لان نرفع ذلك السلاح المتبقي عندنا ونقذفه بوجهه.

أقول نرفع ونقذف لان ما فعله ذلك الصحفي أطفا بعضا من غليلنا وقهرنا صحيح انه هو من قذف وهو سيتحمل وزر ما فعل تحت أيدي سجانيه إلا أننا نتشرف لو رفعنا نحن أيضا حذائه معه .

فليتعلموا منك الدبلوماسية يا منتظر ولعنة الله على دبلوماسيتهم بل على ذلهم الذي يجمّلوه بالدبلوماسية.


 

السبت، 6 ديسمبر 2008

شوق


أحبك منتهى الحب عباده

أشتاقك كم قتل الشوق روّاده

أبات على جمر من لظى

أعرف المحب يوما رقادا

خيالاتكم بهاء بدر يطالعني

وصدى صوتكم بلبل أجادا

أمنّي النفس علّها تنسى بعدكم

وتأبى النفس عنكم بعادا

تقارعت والزمن فيكم ...ففرقنا

وزادني البعد عنكم عنادا

فعهدا على الوفاء ما طالت السنين

وعدد ما أتلف الفراق أجسادا